المختار ولد داداه يتحدث عن أول حَجّة له والسبب في تأخّرها

أحد, 01/06/2025 - 10:22

حَجَّة الرئيس 

--------------

لقد حالت مطالبةُ المغرب ببلادنا غداةَ استقلالها دون إقامة أي علاقات مع دول المشرق العربي ما عدا المملكة العربية السعودية. فقد أجرى بعض المسؤولين الموريتانيين السامين أثناء مواسم الحج اتصالات مع السلطات السعودية منذ فترة القانون الإطاري والاستقلال الداخلي. واستمرت تلك الصلات بعد الاستقلال بالصيغة نفسها حتى اعتراف الرياض الرسمي بالجمهورية الإسلامية الموريتانية.

وقد أشرتُ فيما سبق إلى أول لقاء جمعني بالملك فيصل في القاهرة سنة 1964 بمناسبة انعقاد القمة الثانية لدول عدم الانحياز. وكانت علاقتنا مع المغرب من ضمن ما أثَرْنا من قضايا في ذلك اللقاء، إذ كانت تشغل بالَه حقاً. وقد وعدني بأنه سيفعل كل ما في وسعه من أجل أن يحمل المغربَ على الاعتراف باستقلالنا ويقيم معنا علاقات طبيعية. وأنجز حر ما وعد. فقد سحب تَرشُّحَ بلاده لتنظيم أول مؤتمر قمة إسلامي مفسِحاً المجالَ أمام المغرب لاستضافته، ومُهيئاً الفرصةَ للحسن الثاني للاعتراف بالجمهورية الإسلامية الموريتانية وإقامة علاقات طبيعية معها.

وفي سبتمبر 1969 التقيتُ مجدداً بالملك فيصل بالرباط، وكان مسروراً جداً بانفراج الأزمة المغربية الموريتانية، وقد دعاني إلى القيام بزيارة رسمية لبلاده عندما يسمح برنامج عملي بذلك. وتمت تلك الزيارة في أكتوبر 1971، وسُررتُ بها كثيراً على المستويين الشخصي والعمومي.

فعلى المستوى الشخصي، حققتُ حلُمي كمسلم في زيارة الديار المقدسة حيث أديتُ مناسك العمرة وزرت الروضة الشريفة. وطالما انتظرتُ هذه اللحظات بفارغ الصبر وحلمت بها منذ طفولتي ومراهقتي. إنها لحظاتٌ مفعمةٌ بالمشاعر الدينية الجياشة بالنسبة لمن نشأ في وسط ديني خالص. فقد كانت تساورني، منذ صباي، رغبةٌ دائمة في زيارة الأماكن المقدسة وأداء الحج والعمرة. غير أن المشيئةَ الإلهيةَ لم تُتِحْ لي فرصةَ تحقيق حلمي في الفترة التي كنتُ فيها فرداً من عامة المسلمين لا تلزم أفعالُه وأقوالُه غيرَه. ومع تراكم مسؤولياتي في الدولة، أصبحتْ حريتي الفردية مقيدةً. فقد كان علي أن أضع في الحسبان اعتبارات أخرى بوصفي رئيس حكومة أولا ثم رئيس دولة ثانياً أتصرف باسم شعب بكامله. إنه شعب أجسد قيمَه الأخلاقية من شرف وكرامة واعتزاز بالوطن. فلو سافرتُ في تلك الظروف إلى الديار المقدسة قبل الاعتراف الدبلوماسي ببلادي، فإن السلطات السعودية لن تمنعني بالطبع من أداء مناسكي كمسلم، لكن لن يكون بوسعها من الناحية الدبلوماسية أن تستقبلني استقبالَ رؤساء الدول التي تعترف بها. لذلك لم أكن لأسمح لنفسي، ولا يسعني أن أسمح لها، بأن أُستقبلَ استقبالَ الأشخاص العاديين لأن ذلك سيُعتبر إهانةً دبلوماسيةً لن يتركها الحجاج المغاربة تمر بسلام. فـ«ما سيقال» له أهميتُه، أحياناً، بالنسبة للدول كما هو الشأن بالنسبة للأفراد!

وأمام هذا الوضع، قررتُ بوعي تام أن أنتظر حتى أتنحى عن السلطة وأصبح مواطناً عادياً فأؤدي فريضةَ الحج على الفور، أو أن تعترف الحكومة السعودية ببلدي وأنا في السلطة فأقوم بأداء مناسكي، وذلك ما تحقق بحمد الله في ظروف مثلى للكرامة الوطنية في الفترة بين 17 و21 أكتوبر 1971 حيث أديت مناسك العمرة وزيارة المسجد النبوي. كما أديت فريضةَ الحج سنة 1976 في ظروف مماثلة. وأرجو من الله أن يعفو عما اقترفت من تأخير في تأدية تلك المناسك.

وحسب شهادات بعض مواطنينا القاطنين في الديار المقدسة منذ وقت طويل، فقد استقبلني الملك فيصل خلال تلك الزيارة استقبالا أخوياً حاراً ومتميزاً مقارنةً باستقبالاته لرؤساء آخرين من دول عربية وإسلامية. وفي هذا السياق أكد سفيرنا أنها المرة الأولى، حسب علمه، التي تزين فيها فجاج مكة بأعلام بلد أجنبي. فهل كان الأمر على ما وُصف؟ مهما يكن، فقد غمرتني السعادة وأنا أرى علم بلادي يرفرف في سماء مكة المكرمة.

 

المختار ولد داداه / «موريتانيا على درب التحديات»

 

من صفحة محمد المنى على الفيسبوك

  

بحث