
في توقيت بالغ الحساسية، وفي ظل توتر إقليمي متفاقم وضغط دولي متصاعد على إسرائيل، وقع هجوم مسلح على المتحف اليهودي في قلب العاصمة الأميركية واشنطن، ما أسفر عن مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية، وأثار وابلا من الإدانات وردود الفعل الدولية، خصوصا من واشنطن وتل أبيب.
الجريمة التي نفذها مهاجم من أصول لاتينية، تتجاوز في أبعادها الحدث الأمني المحدود، لتفتح الباب واسعا أمام تداعيات سياسية ودبلوماسية، وتغذي مخاوف متزايدة من تصاعد موجة العداء للسامية، بحسب الرواية الإسرائيلية والأميركية.
فما هي الارتدادات المتوقعة لهذا الحادث، وكيف استقبلت تداعياته داخل إسرائيل وفي دوائر صنع القرار في واشنطن؟.
الحدث وتفاصيله الأمنية
بحسب وزارة الأمن الداخلي الأميركية، فإن الهجوم الذي وقع خارج المتحف اليهودي أدى إلى مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية، بينما تمكنت الشرطة من القبض على المهاجم أثناء محاولته دخول المتحف، وهو قادم من شيكاغو، ولم يكن مدرجا على قوائم المتابعة الأمنية.
الفيديو المتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي أظهر المهاجم وهو يهتف مرارا "الحرية لفلسطين"، ما أعطى للحادث طابعا سياسيا مباشرا، وسرعان ما صنف بأنه عمل إرهابي يحمل دوافع معادية للسامية.
ترامب يحذر: الهجوم ترجمة للعداء المتصاعد لإسرائيل
الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف الهجوم بأنه "معاد للسامية وجبان"، محذرا من أن موجة الكراهية تجاه اليهود لن تتوقف ما لم يتم اتخاذ إجراءات حازمة.
وأكد ترامب أن إدارته ستلاحق الجناة ومن يقف خلفهم، ملمحا إلى إمكانية توسيع حملات الملاحقة داخل الجامعات الأميركية التي شهدت، خلال الأشهر الماضية، احتجاجات واسعة ضد الدعم الأميركي لإسرائيل.
إسرائيل تعيش أسوأ عزلتها الدولية
نضال كناعنة، محرر الشؤون الإسرائيلية في "سكاي نيوز عربية"، رأى أن إسرائيل "تعيش حالة عزلة دبلوماسية غير مسبوقة"، مشيرا إلى أن الهجوم جاء في ظل سياق داخلي إسرائيلي متأزم، وتصعيد مستمر في غزة منذ أكثر من 17 شهر.
ونقل كناعنة عن مصادر داخلية، منها رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي، أن الحكومة الحالية في إسرائيل "تشبه في تركيبتها الفكرية حكومة "كاهانا" المتطرفة، "وتحمّل اليهود في العالم ثمن أخطاءها".
وأشار كناعنة إلى أن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، التي اتهم فيها الدول الأوروبية بالتحريض المباشر على إسرائيل، تكشف محاولة لإعادة توجيه الغضب الداخلي نحو الخارج، موضحا أن: "إسرائيل تحاول تأطير العزلة التي تعيشها باعتبارها نتيجة لمؤامرة دولية ضدها، بينما الحقيقة تكمن في السياسات المتطرفة لحكومة نتنياهو".
سفير إسرائيل في الأمم المتحدة يندد بهجوم واشنطن
أوروبا تلام... ولكن
المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية ألون أفيتار، بدا أقرب إلى الخط الرسمي في تل أبيب، محمّلا القادة الأوروبيين مسؤولية التصعيد الأخير.
وبيّن أن تصريحاتهم المنتقدة لإسرائيل بشأن الحصار على غزة والمساعدات الإنسانية "أعطت دفعة للخطاب المعادي للسامية"، مضيفا أن "الهجوم في واشنطن هو نتيجة مباشرة لهذا التحريض".
لكن أفيتار، رغم مواقفه، لم يخف قلقه من تداعيات الحادث على صورة إسرائيل الأمنية والدبلوماسية، خصوصا أن العملية وقعت في واشنطن، وعلى بعد خطوات من البيت الأبيض، ما يكشف هشاشة في التنسيق الأمني الأميركي الإسرائيلي، ويفتح الباب أمام تساؤلات عن قدرة إسرائيل على حماية مصالحها الدبلوماسية.
استغلال سياسي مرتقب داخل أميركا
واعتبر موفق حرب، محلل الشؤون الأميركية في "سكاي نيوز عربية"، أن توقيت الهجوم وطابعه السياسي سيفتحان الباب أمام توظيف واسع للحادث في الداخل الأميركي، مضيفا: "لن يقتصر تأثير العملية على الجانب الأمني فقط، بل ستستغل لفرض قيود جديدة على حرية التعبير داخل الجامعات، بذريعة محاربة العداء للسامية".
وبحسب حرب فإن خطاب الرئيس ترامب ووزير خارجيته يعكسان هذا التوجه، خصوصا أن الإدارة الحالية تخوض مواجهة مفتوحة مع الحراك الطلابي المناهض للدعم الأميركي لإسرائيل.