
بيانات السرتي ..!
ليس تقدم الكنتي أو السرتي على الأصح للركب تقدم الفرسان، وحماسه طبعا غير حماس الشجعان الذين لا يخشون السقوط بسوح المعارك، وإنما تقدم ثرثار لا يكلفه ذلك سوى مقول وكلم ينثر هنا وهناك، وكلما حانت لحظة اختبار صاحبه إذا به لا يمتلك غير تلك القوالب الجوفاء، يحاول بها بين الحين والآخر بلوغ مالم تبلغه إياه أيامه بسرت، أو يحافظ بها على مكان وضعه به ولد عبد العزيز، مع الإحتفاظ له بحق الاختيار مسبقا..!
لم تتوقف بيانات السرتي بعد هروبه من سرت، تاركا خلفه بيانات بيعته وعهده للقذافي، أيام كان يكتبها ويخرجها من هناك متعهدا بالدفاع عن قذافه قبل أن يقذفه الرعب وانعدام العهد بوطنه الذي ولد به، لا أعرف هل كان حينها يحمل معه "اباص" أم لا، لكن المؤكد أنه اختار "اباص" على الوفاء بالعهد الذي قطع على نفسه بالدفاع عن قذافه، وليس التنكر غريبا أو مستنكرا في عرف من "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم"، حط السرتي الرحال بهذه البلاد حاملا معه بضاعته، فما لبث أن أخرج قلمه وتوجه إلى نظام سلم أبرز أركان نظام قذافه لخصومه من الثوار ليطعنه أخرى، ليبدأ السرتي هوايته وعمله لدى نظام كشف لاحقا أنه من رباه، علما أنه عاد للبلاد من سرت وهو في عقده السادس، مما يعني أنه يقصد بالتربية التأهيل، وليس إعادته، فالسرتي ظل السرتي، وبدل القذافي وضع عزيز، ولم يشفع للأخير هو الآخر تأهيله للسرتي، فبمجرد خروجه من المشهد وسجنه استدبره مفضلا "اباص" من جديد على الوفاء وهو لا يعرف هل مازال من عمره ما يمكن من تربيته أو تأهيله من جديد..!
"وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا"
ترك السرتي عزيز يواجه مصيره كما فعل مع القذافي فضلا عن ضميره الذي رد عليه ب "اباص" على ما يبدو منذ عقود، مفضلا العيش دونه..!
يستنكر السرتي في بيانه الأخير حديث التكتل عن تدوير المفسدين مذكرا باستقبالهم لرموز الحزب الجمهوري متجاهلا أن الحزب استقبلهم كمعارضين، وأن نظامه مزيج من كل الأحزاب التي حكمت بها موريتانيا عبر تاريخها وحاضرها، وأن نظامه اليوم هو نظام مومياوات، أكثر من كلف في عجافه هم متقاعدوا مختلف الأنظمة وأحزابها..!
ثم بعد ذلك يصل مقوله الديمقراطية مذكرا أن الغزواني انتخب ديمقراطيا، متجاهلا توجهه من الأركان للقصر، ولو افترضنا جدلا برضاء ولد عبد العزيز عن ترشيحه فمقولك لا يدعم ذلك، ولعلك تتذكر أسطرك التي كتبت تحت عنوان "حتى نهاية المعركة.. وما علي..."، والجميع يعرف أن الديمقراطية العسكرية التي نعيشها في وطننا هي مجرد ديمقراطية شكلية، لا تأتي برئيس، ولا تذهب بآخر، واستحضارك لانقلاب عزيز دون ذكره يدل على طباعك أكثر مما يطعن في توجه حزب عريق، أخطأ وسرعان ما اعتذر عن ذلك، وقاد الشارع ضد الانقلاب الذي رباك قائده، وبقيت تدين له بالولاء حتى استدبرت أيامه، ولأنك تولد مع كل زعيم لم تنتبه لذلك..!
يواصل السرتي مقوله متحدثا في إحدى فقراته عن اختراق الأغلبية من خلال بعض المعارضين، قاصدا أشخاصا كانوا من المعارضة إلتحقوا بزعيمه وولي نعمته الجديد، وهو أمر مفهوم وشائع عندنا في الثقافة الشعبية التي لا يجيد السرتي غيرها، حيث "الصكوط ما يحمل صاحب"، خوفا على مكانته، ويصل به الخوف من منافسيه الجدد إلى اعتبارهم أذرع للمعارضة زرعتها بالنظام، وبالمنطق نفسه عليهم سؤال السرتي عن الذي زرعه هو أيضا في النظام نفسه، مع كامل الإحترام للشجر الطيب..
وفي الأخير يصل الإفلاس بالسرتي إلى التقول على المعارضة زورا بقوله أنها تطلب من النظام دخول الحكومة، وأنها لم تطالب يوما بحل البرلمان متجاهلا كلام الزعيم المرحوم بدر الدين أمام رئيس الوزراء حينها في مداخلته الشهيرة أمامه التي اتهمه فيها بالتمرد وهي نفس المداخلة التي ذكر فيها بأن البرلمان غير شرعي، وتجاهل رفض الرئيس أحمد ولد داداه أخذ راتبه كزعيم للمعارضة بعد انتهاء مأموريته القانونية، واعتباره مؤسسة المعارضة لم تعد موجودة قانونا "والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا"، كما تجاهل السرتي اعتذار أبرز أعضاء حزب التكتل قبل أشهر عن التكليف الذي يتقرب هو وصحبه من أجل الظفر به..!
عموما لا جديد يذكر بما يكتبه السرتي، تحامل وتلفيق وسب وشتم، وتضايق من أي وافد جديد خوفا من أخذ مكانة غير مستحقة يحتلها السرتي وصحبه، ورعب من أي تقارب مع المعارضة يتم بموجبه الاستغناء عن الدور الذي يؤديه وأمثاله، وعن خدماتهم التي لا يجيدها غيرهم، ويترفع عنها ويعافها أصحاب الشرف والضمائر.
باب ابراهيم